الصفحة الرئيسية
من أنا
مقالات أخرى
وأن المساجد لله
من رحمة الله بعبيده أن سهل لهم بناء المساجد في معظم دول العالم ، ومن زيادة كرمه أن علمهم إتقان بناءها وجمال مظهرها ، ومن فضله عليّ أن كتب لي الصلاة في العديد من بيوته ، وكان لكل من هذه البيوت الأثر الجميل في نفسي والذكرى الطيبة.

وبالطبع فإن أجمل هذه البيوت وأحبها الى النفس ، البيت الحرام بمكة المكرمة ، حفظها الله وأعلى قدرها ، ويكفيه أنه أطهر بقعة على وجه الأرض وفيه قبلة المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها ، وقد قدر لي الله الحج والعمرة والطواف مرات عديدة والحمدلله ، وقدر لي الصلاة في بيته المعظم صلوات عديدة ، ومن أجمل ذكرياتي حضور ختم القرآن في سطح المسجد بإحدى الليالي الرمضانية مع مجموعة من الأصدقاء ، أضطررنا يومها للحضور من بعد صلاة العصر ولم نعد إلى بيوتنا إلا وقت السحور.

المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة هو وجهة أخرى حبيبة الى النفس ، وفيه قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهم وأثابهم عن أمة الإسلام خير الثواب ، وبه روضة من رياض الجنة ، تجد في هذا المسجد مالا تجده في غيره من الروحانية العجيبة ، ولا تمل من الجلوس فيه ، وقد قدر لي الله أن أصلي فيه صلوات عديدة وحضرت فيه ختمة للقرآن في رمضان والحمدلله ، ولعل أجمل ذكرياتي في هذا المسجد عقد قراني فيه على زوجتي الحبيبة مشاعل.

وهناك العديد من المساجد الأخرى الجميلة والحبيبة إلى النفس في بلادي كمسجد قباء بالمدينة ومسجد القبلتين والمساجد السبعة ومساجد بالطائف وجدة والرياض والشرقية لايسعني ذكرها هنا.

من المساجد التي لا أنساها ، المسجد الذي يؤمه الشيخ الدكتور يوسف قرضاوي في الدوحة بقطر ، وقد شرفت بالسلام عليه وحضور صلاة وخطبة الجمعة بإمامته ، وهو مسجد حديث تجد فيه كاميرات التلفزة منصوبة للنقل الحي للخطبة والصلاة ، ومنها المسجد الأموي بدمشق ، وقد كان معبد آرامي ثم روماني ثم كنيسة القديس يوحنا المعمدان إشتراها الخليفة الوليد بن عبد الملك وأدخلها في المسجد الذي جعله جامعا وتحفة من تحف العالم الإسلامي ، وبه ضريح يقال أنه ضريح النبي يحي عليه الصلاة والسلام وضريح القائد العادل صلاح الدين الأيوبي رحمة الله عليه ، وقد حضرت صلاة الجمعة فيه وكان من المواقف الطريفة أنني إستغربت جدا بسماع إقامة الصلاة عند خروجي بعد صلاة الجمعة ، وعرفت لاحقا أن الجمعة لا تقضي عن الظهر عند الشافعية فيقيمونها بعد الجمعة.

في مصر ، صليت في عدد كبير من المساجد بكثرة المدن التي زرتها ، فقد زرت الساحل الشمالي بالكامل لمصر ، ودرت حوَالَيْ سيناء ، وزرت قرى الفلاحين ، ومن مساجدها التي لا تنسى مسجد الحسين ، والذي – للحق – لم أدخله لإيماني أن بناءه تم على بدعة ، وقد يختلف معي غيري ولكن هذا ما قرأته عنه ، إلا أنني كثيرا ما زرت المنطقة التاريخية حوالي المسجد ، وفيها قهوة الفيشاوي وخان الخليلي.

أتذكر أني في مقتبل عمري ، كنت أصلي الفجر في مسجد قريب من منزل والدي بمصر الجديدة ، وكان الإمام يأتي إلى المسجد لابسا طقما أفرنجيا وروب كما أرواب الباشاوات ، كان المظهر عجيبا حقا لمثلي ، ودخلت مرة مسجدا لصلاة العصر في مرسى مطروح وهي مدينة بالساحل الشمالي قريبة من الحدود الليبية ، وعند المدخل وجدت ضريحا لأحد الأولياء حسب ماروى لي خادم الضريح الجالس بقربه وطلب مني الطواف والدعاء له ، إلا أنني أقنعته بأنني سوف أصلي له داخل المسجد.

صليت الجمعة مرة في مسجد لندن المركزي ، ويعرف أيضا بالمركز الإسلامي أو مسجد حديقة ريجنت ، وقد صمم المسجد من قبل السير فريدريك جيبيرد وبدأت الصلاة فيه في عام 1978م وتتوسطه قبة ذهبية جميلة ومميزة ، وتقع بالقرب منه حديقة ممتعة هي حديقة ريجينت ، وأتذكر أن الخطيب يومها كان منفعلا في خطبة عصماء باللغة العربية عن الشواذ ، إذ كانت لهم مظاهرات ومطالبات للحكومة أيامها.

وصليت الجمعة في مسجد باريس الرئيسي ، وهو مسجد جميل جدا مبني على الطراز المغربي ، وكان الإمام يتحدث يومها عن عدم لعن المذنبين والإستغفار لهم فباب التوبة مفتوح دائما عند رب العالمين ، والخطبة كانت بلغة عربية فصحى مع بعض الكلمات من اللهجة المغاربية.

في أمريكا صليت أكثر من مرة في مسجد أورلاندو في منطقة كيسيمي القريب من ديزني لاند ، الإمام أمريكي من أصول هندية ، وكان يتحدث في المرة الأولى التي صليت فيها عن زيارته الأخيرة للحرمين الشريفين وذلك باللغة الإنجليزية ، إلا أنه بعد ذلك طلب الأذان الأخير وخطب باللغة العربية خطبة قصيرة وموجزة أعتقد أنه حفظها عن ظهر قلب ، وفي المرة الثانية كانت الخطبة بعد إعصار كاترينا الذي ضرب السواحل الأمريكية وكانت الخطبة عن وجوب التعاون والتعاطف مع الشعب المنكوب في مدينة نيو أورلينز القريبة نسبيا ، وقد جُمعت التبرعات بعدها من المصلين وقَدَّمت تبرعا وأنا آمل أن يكون مبلغ التبرع الإجمالي مبلغا طيبا يظهر مدى تعاطف المسلمين الأمريكيين مع مصاب غيرهم في نفس البلد.

في لاس فيجاس ، رحت أبحث عن مسجد لصلاة الجمعة ، ووجدت عنوان مسجد عن طريق الإنترنت وكان خارج المدينة تقريبا ، وبعد بحث مضني في زمن لم تكن أجهزة الجي بي إس متوفرة ، وصلت متأخرا بعد إنتهاء الصلاة وإقفال المسجد ، إلا أنني ذهلت من شكل المسجد ووضعه من الخارج ، فقد كان عبارة عن غرفة متواضعة مبنية بالصاج في وسط الصحراء ، كما أنني صليت بأحد مساجد هيوستن وأعجبني تنظيم المسلمين ووجود الشرطة لتنظم الدخول والخروج الى مواقف المسجد

وصليت الجمعة في مسجد زيورخ المسمى مسجد محمود ، وبني هذا المسجد عام 1963م ، وهو يتبع الطريقة الأحمدية المنتسبة إلى ميرزا غلام أحمد ، ولم أكن أدري وقتها ما إنتسابات المسجد إلا أن الصلاة لم تكن فيها ما يريب ، والخطبة كانت بلغة الأوردو واللغة الألمانية المتداولة في هذا الجانب من سويسرا ، غفر الله لي وتقبل مني صلاتي وصلاة المسلمين أجمعين.

وزرت المسجد الرئيس في غرناطة المقابل لقصر الحمراء وصليت به صلاة العصر ، المسجد جميل وحديث مبني بقرب مسجد آخر تاريخي ولكن محول إلى كنيسة ، وبني المسجد بتمويل الحكومة السعودية فجزاهم الله خيرا الجزاء ، كما قدر الله لي والحمدلله بزيارة مسجد قرطبة الجامع ولي فيه حكاية ، فقد قرات الكثير عن هذا المسجد العظيم المصمم بأقواس وقبب داخله لنقل الصوت في زمن لم تكن فيه مكبرات ، دخلت المسجد وانا أقرأ القرآن بصوت خافت أحاول أن أُسمع (بالضمة على الهمزة) فيه جدران المسجد والتي أؤمن تمام الإيمان أنها تشتاق لسماع آي من الذكر الحكيم ، وسرت أتجول بالمسجد وانا مذهول من فن العمارة الإسلامية وحزين على ضياع مثل هذه الجوهرة حتى سالت دموعي ولم أستطع أن أخفيها عن إبنتي التي كانت معي وصارت تناظرني لا تعلم سبب بكائي

ووفقني الله أن صليت به الظهر والعصر قصرا وجمعا بعيدا عن أعين الحراس ، وجلست أدعو ربي أن يعيده إلى أحضان المسلمين وان يغفر لمن تسببوا بضياعه من ملك الإسلام ، وضُبطت أخيرا من قبل الحرس وطردت إلى خارج المسجد ولا حول ولا قوة إلا بالله.

في تركيا ، كان مسجد السلطان أحمد أجمل المساجد الذي زرت ، وفيه صليت الجمعة ، وأجمل ما لاحظت الترتيب الجميل في الدخول والخروج والنظافة الشديدة ، الجميع يحمل كيسا بلاستيكيا معه ليضع حذائه ، والجميع في أبهى حلة لصلاة الجمعة ، والخطبة كانت بالتركية ، ومن طرائف صلاتي هناك أني أمّنت بأعلى صوتي في الركعة الأولى ناسيا أن الأتراك أحناف ولا يجهرون بالتأمين ، فكنت الوحيد الذي أمّن جهرا بحكم العادة ورغم حنفيتي.

صليت الجمعة في مسجد الفندق في المالديف أو ذيبة المهل أو محل ديب كما سماها المسلمون العرب ، وكانت الخطبة بلغة الديفيهي وهي اللغة المتداولة لدى أهل هذه الجزر ، ولاحظت إصرار الخطيب على الإمساك بعصاه طوال الخطبة ، وكان الزمن عيدا ، فقام كل المصلين بالمصافحة والسلام بعد الصلاة ، وكنت - والله أعلم - الغريب الوحيد في المسجد ، والكل يناظرني مستغربا حضوري! وقد زرت في عاصمتها أقدم مساجدها المبني بالخشب وأسمه مسجد الجمعة ، وبجانبه مقبرة للمسلمين ، كما زرت مسجد السلطان محمد تكروفان الأعظم وهو المسجد الرئيس بها وصليت به العصر وكان مسجدا كبيرا مفتوح الأطراف فالتهوية طبيعية ، وتوجد على بابه لوحة من الرخام مكتوب بها شكر باللغة العربية والإنجليزية الى مجموعة من الرؤساء والملوك منهم ملك اللملكة العربية السعودية على تمويل هذا المسجد ، جزى الله خيرا كل من ساهم فيه.

في ماليزيا ، صليت الجمعة في مسجد صغير بالساحل السياحي لجزيرة بينانج ، كانت الخطبة بالماليزية ، أما المصلون فكانوا مرتبين منظمين في دخولهم وخروجهم وأحذيتهم ، كما صليت بالجامع الملحق بأبراج بتروناس والمسمى جامع آسي سياكرين أو جوهرة الحديقة ، والمسجد جوهرة حقيقية حيث جلبت له الأيدي العاملة من أوزبكستان خصيصا لعمل الزخارف الداخلية ، وللعلم فإن الماليزيون شافعية يقيمون الظهر بعد صلاة الجمعة.

صليت الجمعة في مدينة باندونج في أندونيسيا في قاعة حفلات بالفندق ، فالفندق يفتح الصالة الكبيرة لديه كل جمعة لجميع الموظفين والنزلاء الذين يودون الصلاة ليقيموا صلاة الجمعة ، وكانت الخطبة بلغة الباهاسا المتداولة في أندونيسيا ، ولم يتسن لي للأسف دخول مساجدها مع العلم أني شاهدت الكثير منها.

في هونج كونج ، زرت مسجد شارع شيلي وهو أقدم مساجدها وبني عام 1890 وأعيد بناءه عام 1905م ، وقد إعتبرته حكومة هونج كونج مؤخرا إحدى علاماتها التاريخية غير القابلة للهدم أو التغيير ، وصليت الجمعة بمسجد عمار وهو مركز إسلامي أيضا ، وكانت الخطبة باللغة الإنجليزية ، ومن عاداتهم هناك توزيع الفاكهة بعد الصلاة على المصلين.

وأخيرا ، أدعو الله أن يكتب لنا جميعا الصلاة في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي محررين من أيدي الصهاينة ، وأن يعيد كل مساجد المسلمين إلى حاضرة الإسلام ويغفر لنا ولكم والحمدلله رب العالمين.

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} التوبة}



كتبه العبد الفقير لله / حسام عابد أندجاني

في 15 أغسطس 2009م
في 24 شعبان 1430هـ